Wednesday 23 August 2017

الکرد الإیزدیون ضحایا التعریب والصهرالقومي




الکرد الإیزدیون ضحایا التعریب والصهرالقومي
أمجد شاکلي

تحت عنوان " فرت من داعش وألقت خطابا في البرلمان الإسرائيلي"[1]، بتأریخ 25 يوليو 2017، کتب الأستاذ عامر دکة، في الموقع الإخباري"المصدر"، أن الناشطة الإیزدیة نادیة مراد زارت إسرائیل وألقت کلمة في الکنیست الإسرائیلي حول ما تعرضت لها هي والإیزدیین من تعذیب وقتل وإبادة و إغتصاب وکل أنواع الجرائم من قبل عصابات داعش المجرمة. ما جلب إنتباهي أنە في کل ماکتبە الأستاذ دکة وفي کل ما قالتها الناشطة مراد، لم تذکر ولو بکلمة "کرد، شعب کردي أو کردستان"، بل تتکرر عبارة"الشعب الإیزیدي".
 أعرف مقدما أن کلمة شعب، یمکن أن تفسرقانونیا ولغویا و سیاسیا و إجتماعیا و دینیا و فلسفیا، تفسیرات مختلفة ولکن کل التفسیرات تتفق علی کون الشعب(بالإنجليزية: People): هي لفظة مفردة(جمعها:شعوب)، تستخدم عادة للإشارة إلى مجموعة من الأفراد أو الأقوام ينتمون إلى فئة ما، قد تكون أمة، طبقة، مجموعة إثنیة، بلد، عائلة، مجتمع، يعيشون في إطار واحد من الثقافة والعادات، ضمن مجتمع واحد وعلى أرض واحدة، ومن الأمور المميزة لكل شعب هي طريقة تعاملهم وشكل العلاقات الاجتماعية التي تتكون في مجتمعات هذا الشعب، إضافة إلى أسلوب العقد الإجتماعي بين أفراد الشعب[2]. حسب هذا التعریف، فإن الإیزدیین کما الکثیرمن سکنة المعمورة یدرجون في إطار الشعوب، لکنهم وحسب کل التعاریف والدراسات التاأریخیة والإجتماعیة والإثنیة، لیسوا سوی جزء من أبناء الأمة الکردیة و مناطق سکناهم و معابدهم و أماکنهم المقدسة، جزء من أرض کردستان، کما أن هناك أعدادا کبیرة منهم یتواجدون في المهجر.
حسب الموسوعة البریطانیة (Encyclopædia Britannica): الإیزدیون"أعضاء أقلیة دینیة کردیة، یتواجدون في شمال العراق، جنوب غرب ترکیا، شمال سوریا، القفقاس وأقسام من إیران. تتضمن دیانتهم عناصر من الدیانات الإیرانیة القدیمة وکذلك من الدیانات الیهودیة و والنسطوریة المسیحیة والإسلام. تتراوح أعدادهم مابین 200000 – 1000000 شخصا"[3]. وحسب الموسوعة الإیرانیة (Encyclopædia Iranica): الإیزدیون"أقلیة دینیة کردیة، تتناقض تعالیمهم مع الدیانة السائدة للأکثریة أي الدیانة الإسلامیة. یعیشون في شمال العراق، شمال سوریا، جنوب ترکیا والقفقاس وکذلك المهجر في أوربا. لغتهم التي یتحدثون بها هي اللغة الکردیة(اللهجة الشمالیة أي الکرمانجیة)، کما أن اللغة الکردیة هي لغة الثقافة والتعالیم والتقالید الدینیة المحکیة والشفهیة الإیزدیة"[4]. کما أن هناك من یٶکد علی أن الإيزيديین (بالکردیة: Êzidî أو ئێزیدی) هي مجموعة عرقیة دینیة تتمركز في العراق وسوريا. يعيش أغلبهم قرب الموصل ومنطقة جبال سنجار في العراق، وتعيش مجموعات أصغر في ترکیا، وسوریا، وألمانیا، وجورجیا وأرمینیا. ينتمون عرقياً إلى أصلٍ كرديٍ ذي جذور هندوأوروبية..يتكلم الإيزديين اللغة الکرمانجیة.صلواتهم وأدعيتهم وجميع طقوسهم الدينیة، باللغة الکرمانجیة. يرى الكثير من الإيزيديين أنفسهم كرد القومية[5]. جاء في المنجد:"الیزیدیة، عقیدة دینیة تقوم علی تقدیس الشیطان. نسبتها إلی یزد أو یزدان من آلهة الزرادشتیین الإیرانیین. أتباعها من الأکراد، نحو 50000 ن. یعیش معظمهم في شمالي العراق لاسیما في قضاء سنجار بمحافظة نینوی، منهم جماعات في تورکیا ونواحي حلب. أشهر أولیائهم الشیخ عدي بن مسافر، صاحب "کتاب الجلوة"، وکتاب"مصحف روش" من الکتب المقدسة عندهم"[6].

الموسوعتان البریطانیة والإیرانیة والمصادر الأخری، تٶکد جمیعها علی کون الإیزدیین کردا من الناحیة القومیة ویسکنون أرض کردستان(فشمال العراق و جنوب شرق ترکیا و شمال سوریا ماهي إلا کردستان) و لغتهم هي اللغة الکردیة وهي لغتهم الأولی ولغة الأم عندهم، والکرمانجیة ماهي إلا لهجة من لهجات اللغة الکردیة.
للإیزدیین کتابان مقدسان هما:"کتاب جلوة، بکسر الجیم" والذي یعني: کتاب النور، کتاب الإشراق أو کتاب الضیاء. فحسب إعتقاد الإیزدیین فإن الکتاب عبارة عن کلمات وأقوال " طاوس ملك"، الذي یعتبر أقدس وأعظم الملائکة عند الإیزدیین. ففي الميثولوجيا الإيزيدية طاووس ملك قد تجسد في الشیخ عدي بن مسافر(بالکردیة: شیخ آدي). أما الکتاب الآخر فهو"مسحفا رش" أي"المصحف الأسود"، فکلمة "رش" والتي تکتب بالکردیة"ڕەش" تعني "أسود". الکتابان مکتوبان باللغة الکردیة. کلمة الإیزدیة، مصدرها "إیزد أو إیزدان، بالکردیة: ئێزدان أو یەزدان" وتعنی الإلە أو اللە في اللغة الکردیة واللغات الإیرانیة الأخری. صلوات الإیزدیین و کل الطقوس الدینیة و والأدعیة عندهم تتلی وتقال باللغة الکردیة. الإیزدیون یحجون إلی "لالش"، التي تعتبر قبلتهم و محجهم وأقدس بقعة في العالم حسب إعتقادهم، وتقع لالش بالقرب من مدینة دهوك في کردستان ويعد من أقدم المعابد في كردستان، حيث تُرجع بعض المصادر تاريخه إلى القرن الثالث قبل الميلاد.

لوعدنا قلیلا إلی التأریخ لنجد أن الأنظمة والسلطات العربیة الحاکمة في العراق وعلی مر التأریخ، حاولت دوما تعریب الإیزدیین و طمس و مسح هویتهم القومیة الکردیة، مستغلة کونهم من دین لیس دین الأکثریة. ما تقولە مراد عن "العودة إلی العراق وأن العراق هو بلد المستقبل للإیزدیین"، تأتي من کونها هي وغیرها من الإیزدیین والکثیر من أبناء الکرد الآخرین، تحت تأثیرعملیات التعریب وغسل الدماغ وطمس الهویة المستمرة والمبرمجة التي تعرض لها الکرد ولازالوا طیلة مئات من السنین في العراق ومن قبل العنصریین العرب. إذا کانت الأکثریة الکردیة المسلمة تعرضت لتلك العلملیات السیئة الصیت فقط لکونهم کردا، فالإیزدیون تعرصوا لها أضعافا لکونهم کردا وغیر مسلمین. کما الحال بالنسبة للکرد الفیلیین، الذین یسکنون بغداد و مناطق جنوب کردستان، ففي ظل الأنظمة العراقیة العربیة القومیة السنیة البعثیة، تعرضوا أیضا أضعافا لعلمیات التعریب والتهجیر والإبادة  لکونهم کردا و شیعة في نفس الوقت. الکرد، بکل شرائحهم وأدیانهم المختلفة في کردستان العراق، تعرضوا وعلی مرور الزمن وبشکل مبرمج و مخطط لعملیات الصهر القومي. لم یکن الحال لا قبلا ولا الآن بالنسبة للکرد في ترکیا و سوریا وإیران بأحسن مما کان علیە الکرد في العراق. هنا أود الإشارة إلی مثال واحد من آلاف الأمثلة علی سیاسة الصهرالقومي تجاە الکرد في العراق:
في أواخرخریف سنة 1977 کنت قد سافرت من أربیل"بالکردیة: هەولیر"، التي کنت أعمل فیها في مجال الإحصاء، إلی سیمیل، القریبة من دهوك، ومن هناك إلی قریة إسمها "قصریزدین"، لزیارة خطیبتي، التي بدأت عملها کمعلمة في تلك القریة وفي تلك السنة الدراسیة. سکنة القریة کلهم کانوا من الکرد الإیزدیین. کان علي التأکد من وسائل النقل و کیفیة الذهاب إلی تلك القریة. لم تکن هناك في تلك الأیام لا الإنترنیت ولا الحاسوب ولا الهاتف الجوال ولا حتی الهواتف العادیة أقصد الثابتة. وصلت إلی سیمیل وسألت حول کیفیة الذهاب إلی قصریزدین. دلوني علی مکان لوقوف السیارات التي تنقل المسافرین إلی القری المحیطة بالمنطقة. وصلت المکان، وجدت عددا من الجیبات و سیارات اللاندروفر و غیرها وسألت عن السیارة التي تغادر إلی قصریزدین فأشاروا إلی سائق، بأنە هو الذي سیغادر و ینتظر حتی تمتلئ السیارة بالرکاب. عندما رأیت السائق، الذي کان شخصا ذو وجە بشوش، ممتلئ الجسم ، ذو شوارب غلیظة علی عادة الکثیر من الإیزدیین، لابسا دشداشة و کوفیة حمراء وعقالا غلیظا، أي ملابس عربیة بالکامل، فتصورتە عربیا. سلمت علیە بالعربیة و أخبرتە بأنني أود الذهاب إلی قصریزدین. کان بشوشا ولطیفا معي و کرمني أن أجلس بجنبە في السیارة. عند إکمال العدد بدأ صاحبي قیادة السیارة. في الطریق سألني عن: أین أسکن، لماذا أذهب إلی قصریزدین، من أعرف هناك، کم أبقی هناك، ماذا وأین أعمل وکثیر من الأسئلة الجانبیة الأخری، کما هي العادة لدی الکثیر من الناس في مجتمعاتنا و بلداننا الشرقأوسطیة. أجبتە بالکامل ودون أن أخفي شیئا أو أتملص من الإجابة عن سٶال. کنا نتحاور باللغة العربیة. وبعد أن تأکد لە أني قادم من أربیل وقد تم نقلي عنوة من کرکوك، ضمن عملیة تعریب و تهجیرالکرد من کرکوك، عندذاك إطمأن إلي کوني کردیا، غیرموالي للسلطات الحکومیة، ففتح قلبە وقال بلغة کردیة فصیحة: أنا أیضا کردي. قلت: یرحمك اللە، کیف لي أن أعرف أنك کردي وأنت بکل هذە الملابس العربیة و تتحدث العربیة بهذە الطلاقة! قال:"ماذا أفعل، أنا مجبر للبس هذا الزي العربي. لقد کنت أحد أفراد البیشمرکة(بالکردیة: پێشمەرگە)، بل وآمرا لفصیل منهم، أثناء ثورة أیلول تحت قیادة الرئیس الراحل مصطفی البارزاني. بعد إنتکاسة الثورة في 1975 رجعت إلی هنا کي أسکن في قریتي مع أهلي وعائلتي. الحکومة العراقیة بدأت حملة تعریب في المنطقة وأجبرت کل الإیزدیین علی تغییر قومیتهم الکردیة إلی القومیة العربیة وأجبروهم علی لبس الزي العربي بدل الزي الکردي وأنا واحد من هٶلاء المغضوب علیهم. منذ ذلك التأریخ نعتبرعربا، في کل السجلات الرسمیة الحکومیة. لکن قلبي، عقلي، فکري، لغتي وکل أحاسیسي کردیة ولازلت أتقد للثورة وکلي حماس وأنا علی أهبة الإستعداد للإنخراط مرة أخری في صفوف البیشمرکة والثورة الکردیة لمقاتلة الغاصبین و والمحتلین".
ما أودە هو أن، مع إیماني المطلق بأن الانتماءات القومیة والعرقیة، قابلة للتغییر، والقومیة هي إحساس وثقافة قبل أي شيء آخر. نادیة مراد، هي ضحیة من ضحایا داعش المجرمة، لکنها هي والکثیر من الکرد الآخرین ومنهم الإیزدیون، هم قبل کل شيء ضحایا عملیات التعریب و غسل الدماغ والإضطهاد والصهر القومي. 
2017-08-23

No comments:

Post a Comment